حينما نعيش أسبوع آلام ربّنا يسوع المسيح، نتأمّل في هذا السرّ العظيم من أسرار إيماننا، فنرافقه في طريق أوجاعه التي احتملها بإرادته الحرّة ليمنحنا الخلاص، في تجسيدٍ حيّ للتضحية المُطْلَقة والحبّ الإلهيّ الأعظم.
تشرح الأخت أنجيلا مرقس، من رهبانيّة بنات مريم الكلدانيّات، عبر «آسي مينا» أهمّية محطّاتٍ عدّة مرّ بها يسوع في طريق آلامه، ودلالاتها الكتابيّة المؤكّدة أنّ يسوع هو المسيح المتألّم وأنّه «مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا».
جبل الزيتون. مصدر الصورة: Andrew Shiva via Wikipedia (CC BY-SA 4.0)
جبل الزيتون... موطئ قدَمَي الربّ
بيّنت مرقس أنّ المحطّة الأولى كانت في جَثْسَيْمَانِي بجبل الزيتون، «فيسوع وتلاميذه، بعد تناولهم عشاء الفصح الأخير، "سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ" كما يخبرنا متّى الإنجيليّ، متمّمين كلّ شيء بحسب التقليد اليهوديّ، وخاتمين بإنشاد مزامير الهيليل».
وأشارت إلى الدلالات العميقة التي تحملها حقيقة أنّ يسوع بدأ آلامه على جبل الزيتون، قائلة: «لطالما صلّى يسوع على الجبال، لكن لهذا الجبل أهمّيته الكتابيّة، فقد ورد ذكره ستّ مرّات في العهد القديم، أبرزها في نبوءة زكريا 14».
وتابعت: «فيما تصوّر نبوءة زكريّا مشهدًا مهيبًا تقف فيه قَدَما الرّبّ على جبل الزيتون عند المعركة الأخيرة ضدّ الأمم المضطَهِدة لشعب الله، وتبشِّرنا بأنّ يوم الربّ سيأتي عقب هذا الصراع العظيم، حاملًا البركة والخلاص، يضع يسوع قدمَيه على الجبل عينه في ليلة آلامه، ويواجه معركته الكبرى، لا ضدّ جيشٍ أرضيّ، بل ضدّ الشيطان نفسه».
وادي قَدْرُون. مصدر الصورة: ويكيميديا كومونز
عبور وادي قَدْرُون... بداية الذبيحة
ولفتت إلى الدلالات الكتابيّة لعبور يسوع وادي قَدْرُون مع تلاميذه قبل أن يصل إلى الجبل، وفق رواية يوحنّا الإنجيليّ (يو 18: 1)، «ففي عبور يسوع هذا الموضع الذي اعتاد كهنة اليهود أن يسكبوا فيه دماء الذبائح (2 أخ 29: 16)، إشارةٌ واضحة إلى تقديم يسوع ذبيحة فداء، فعمّا قريب سيُسْفَك دمه على الصليب من أجل خلاص البشريّة».
وأبرزت أنّ يسوع لم يكن الملك الوحيد الذي مرّ بهذا الطريق وسط مشاعر الخيانة والألم، إذ «سبقه بقرابة ألف عام الملك داود، سائرًا على الجبل نفسه، باكيًا ومنكسر القلب بعدما خانه ابنه أَبْشَالُوم، وانقلب عليه مستشاره أَخِيتُوفَلَ».
يسوع يُصلّي في الجسمانيّة. مصدر الصورة: Renata Almeida/Pinterest
وتابعت: «بالرجوع إلى سفر صموئيل الثاني، يمكننا التأمّل في أوجه التشابه المذهلة بين المَلِكَين: يسوع وداود، فكلاهما خرج من أورشليم، وعبر وادي قَدْرُونَ، وصعد إلى جبل الزيتون باكيًا، مصلّيًّا ومناجيًا الله في حزنه الشديد، حتّى الموت».
وختمت مرقس مؤكّدةً أنّ ما حدث مع داود كان مجرّد ظلٍّ ونبوءة لما سيحدث مع الملك الحقيقيّ، يسوع المسيح، ففيه كمال نبوءات العهد القديم وتتميم تدبير الله الخلاصيّ.
لأسبوع الآلام أو زمن الآلام أسماء عديدة ومعاني روحية كثيرة ورموز روحية ترد في صلوات كل يوم من أيام هذا الأسبوع المقدس ومن أسمائه "أسبوع الغفران"، "الأسبوع المقدس"، "الأسبوع العظيم"، "الأسبوع السابع" و"أسبوع المجد الخلاصي" فالله قد تمجد فيه في يوم القيامة المقدسة.
تشتمل رحلة الآلام في القدس، والتي تجمع بين الألم العميق والأمل المنبعث من الإيمان، على قصة عظيمة تروي أحداثًا مؤثرة. قصّة تحمل في طياتها تضحية السيّد المسيح من أجل خلاص البشرية.